آخر تحديث تم : 08/10/2024 English الرئيسية اتصل بنا الخدمات الإلكترونية روابط
 


      رئيس مجلس القضاء الأعلى يلتقي بوفد الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة            رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام في زيارة تفقدية لمحكمة بداية نابلس ومقر النيابة العامة             برنامج " ميزان" يحصد المركز الثاني في جائزة 2024 SDG Digital            القاضي العويوي يلتقي سفير سلطنة عمان في فلسطين            رئيس مجلس القضاء الأعلى يبحث تقصير أمد التقاضي مع النيابة العامة ومحافظة رام الله والشرطة            بمناسبة السنة القضائية الجديدة إعداد خطة لآليات العمل في محاكم الدرجة الأولى لمواجهة الظروف الراهنة            ثلاثة عشر قاضياً متدرجاً يؤدون اليمين القانونية أمام رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى      
كيـــف يكــــون الإصـــلاح القضائي ناجحــــا ما بين النظرية والتطبيق في ظل جائحة "الكورونا"  


02/04/2020
 
 
بقلم  فواز ابراهيم نزار عطية
قاضي المحكمة العليا
8 شعبان 1441 هـــ
الموافق ل 1/4/2020
 
القـــدس الشريــــف

استهل افتتاحية هذا المقال دون كلل أو ملل، فالطفش والضجرأبعد كل البعد عن النجاح والإنجاز، وما زلت اكتب ما يجول في خاطري ليس من قبيل التنظير، إنما من باب نصب ميزانالأولويات في الثقافة الأخلاقية اتجاهبوصلة القرار السليم.
 
لذلك اجمع علماء الاجتماع على أن نجاح القرار يعتمد على أمرين لا ثالث لهما: المعلومات المتوفرة، والعقل الذي يصنع القرار.
 
ومنذ أن أُعلنت حالة الطوارئ في فلسطين من خلال المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 5/3/2020 لمدة شهر نتيجة للجائحة التي وقعت في البلاد، تلك الجائحة التي غزت جميع دول العالم تقريبا، قررت الحكومة الفلسطينية فرض الحجر الصحي لمدة 14 يوم منذ 22/3/2020، وقد تستمر اجراءات الحجر الصحي لمدد اضافية مع التشديد في تبعة وآثار ذلك الحجر، لضمان السلامة الصحية للمواطنين كافة إلى أن يرفع الله عزّ وجل الغمة والكرب عنا جميعا وعن جميع شعوب العالم.
 
ودون الدخول في تفاصيل الرأي القانوني لكل من أيد اعلان حالة الطورائ ومن عارضها، ودون الدخول في تفاصيل توافق الاعلان واحكام القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 من عدمه، وجدت من الحكمة بمكان بصفتي عضوا في الهيئة العامة للمحكمة العليا، أن اقدم النصح الاخلاقي لمجلس القضاء الاعلى الانتقالي ممثلا برئيسه المستشار عيسى أبو شرار الذي جاء مع اعضاء مجلسه ضمن نظرية الاصلاح، وفق احكام القرار بقانون رقم 17 لسنة 2019 بشأن مجلس القضاء الاعلى الانتقالي الصادر بتاريخ 15/7/2019، ذلك القرار الذي أضفت عليه المحكمة الدستورية الفلسطينية الصفة الشرعية عندما قررت رد الطعن الدستوري بشأن القرار بقانون رقم 17 لسنة 2019 سالف الذكر.
 
ولا يخالجني الشك في أن مقالتي هذه ستزيد الناقدين لا سيما من بعض الزملاء، إلا أن ذلك لن يثنيني عن قول الحق وفعله، لأن من صفات صاحب الرسالة المحاولة في اصلاح الذات، ومن ثم المحاولة في اصلاح محيطه، خدمة للناس كما كان يفعل سيدنا يوسف عليه السلام في سجنه، وابتغاء وجه الله عز وجل في جميع الأمور والأعمال والأقوال،فالحرص على مصالح الخلق والرحمة بهم والعطف عليهم في ظل تكدس عدد القضايا التي نعالجها منذ عام 2015 تحمل في طياتها خالص العمل لوجه الله الكريم دون رياء أو سمعة، ولنا في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة لمن كان يرجو لقاء الله واليوم الآخر، فلا يجوز القول: "إن الظرف الحالي الطارئ لا يسمح بالعمل فيه"، فقد يضطر البعض الاستسلام لذلك، وهذا يتعارض كليا مع كون كل قاضي صاحب رسالة، لأن صاحب الرسالة أعلى مرتبة من العامل والصانع والمزارع- مع احترامي ومحبتي وتقديري لهم جميعا إذ كل منهم له دوره في الحياة لا تقل شأنا عن دور صاحب الرسالة- لكن التفاوت في الاعمال سنة الله في خلقه تطبيقا لقوله تعالى في سورة الانعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ? إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ". الآية (165)
 
من هذا المنطلق يتمثل النصح بالخروج من طوق الحديث والشرح والاماني التي جميعها تصب في خانة النظرية في الاصلاح، إلى البدء في عملية الاصلاح الفعلي بالتطبيق العملي- رغم حالة الطوارئ والحجر الصحي المفروضة على البلاد- بحيث يكون هذا التطبيق العملي ضمن قرار يصدر عن رئيس مجلس القضاء الاعلى الانتقالي المفوض أصلا من السابق بصلاحيات واسعة مقررة من اعضاء المجلس الانتقالي التي هي مدونةبمحضر رسمي.
 
لذلك القرار الواجب اتخاذه من رئيس المجلس الانتقالي، الذي سيكون له الأثر الفعّال وذات أهمية في هذه المرحلة والمرحلة القادمة بعد انتهاء الجائحة بأمر الله، يعتمد على محورين لا ثالث لهما، وهما متوفران إن صدقت النية في التحول من النظرية إلى التطبيق:
 
1-المعلومات المتوفرة عن حجم الملفات المكدسة، وهي ملفات تنتظر اصدار الاحكام ونشرها على الملأ.
2-جرأة القرار التي تعكس صورة صاحبه.
فالبدء بالعملالاصلاح التطبيقي، يبدأ من رأس الهرم، أي من المحكمة العليا التي بلغ عدد ملفاتها المدورة ما يتجاوز5000 ملف، وبما أن طبيعة عمل قضاة محكمة النقضلا يحتاج لدوام فعلي بالنظر للأحكام التي تصدر تدقيقا في الغالب الأعم، مما يقتضي استغلال الجائحة وتكليف رؤساء الهيئات المحترمين، بالبدء في توزيع الملفات على اعضاء كل هيئة، ليستلم اصولا كل عضو ما لا يقل عن 40 ملف ولينجزها خلال مدة شهرين، بحيث ستكون الاحكام المهيأة للمداولة لكل هيئة 200 ملف، وحيث أن عدد الهيئات 4، فستكون الاحكام الجاهزة للمداولة بما لا يقل عن 800 ملف خلال مدة شهرينمن اليوم، في ظل عدم وجود وارد للملفات بسبب الظروف الراهنة.
 
ومن الطبيعي أن تكرر العملية لمرة ثانية وبذات الارقام حتى دخول 15/7/2020، لتكون فترة نقاهة للسادة قضاة المحكمة العليا مدة اسبوعين، ومن ثم تبدء عملية المداولة في شهر آب "8" من عام 2020، بحيث سينخفض عدد المدور منذ بداية شهر ايلول حتى منتصفه من 5000 ملف إلى 3400 ملف، وبعد ذلك يتم اعادة تشكيل الهيئات القضائية لهيئتين فقط، تنظر جميع القضايا التي ترد لاقلام المحكمة العليا بفرعيها الجزائي والمدني، وتقسّم كل هيئة إلى لجان بهدف تطبيق العملية الثانية والاخيرة من الاصلاح الجزئي الراهن، وستكون هذه الخطة في يد صاحب القرار بعد أن تطبق العملية الاولى.
 
 
أما بالنسبة لقضاة محاكم الموضوع - الاستئناف والبداية والصلح- يصدر رئيس مجلس القضاء الاعلى الانتقالي قرارا بإلزامهم لانجاز الملفات التي كانت في عهدتهم، وسمعوا المرافعات النهائية لدراستها وكتابة مسودات الاحكام للنطق بها فور انتهاء الجائحة.
 
اخيرا وليس آخرا، اكرر قول النبي شعيب عليه السلام في سورة هود: "يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى? بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ
رِزْقًا حَسَنًا ? وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى? مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ? إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ? وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ? عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" الآية (88).